فصل: السنة الثالثة من ولاية عبد الله بن عبد الملك بن مروان على مصر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة الثالثة من ولاية عبد الله بن عبد الملك بن مروان على مصر

وهي سنة ثمان وثمانين‏.‏

فيها جمع الروم جمعًا عظيمًا وأقبلوا فالتقاهم قتيبة بن مسلم ومعه العباس ابن الخليفة الوليد فهزم الله الروم وقتل منهم خلق كثير وافتتح المسلمون سوسنة وطوانة‏.‏

وفيها غزا قتيبة أيضًا الترك فزحفوا إليه ومعهم أهل فرغانة وعليهم ابن أخت ملك الصين وفيها توفي عبد الله بن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري الخزرجي من الطبقة الثانية من تابعي أهل المدينة‏.‏

وفيها كان فتح طوانة من أرض الروم على يد مسلمة بن عبد الملك والعباس بن الوليد بن عبد الملك‏.‏

وفيها حج بالناس أمير المدينة عمر بن عبد العزيز ووصل جماعةً من قريش وساق معه بدنًا وأحرم من ذي الحليفة - فلما كان بالتنعيم أخبر أن مكة قليلة الماء وأنهم يخافون على الحاج العطش فقال عمر‏:‏ تعالوا ندع الله تعالى فدعا ودعا الناس معه فما وصلوا إلى البيت إلا مع المطر‏.‏

وسال الوادي فخاف أهل مكة من شدته ومطرت عرفة ومكة وكثر الخصب‏.‏

وفيها كتب الوليد إلى عمر بن عبد العزيز يأمره بإدخال حجر أزواج النبي ‏"‏ ص ‏"‏ في المسجد وأن يشترى ما بنواحيه حتى يكون مائتي ذراع في مائتي ذراع وأن يقدم القبلة ففعل عمر ذلك‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن بسر المازني مازن بن منصور وكان ممن صلى إلى القبلتين وهو آخر من مات بالشام من الصحابة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع وواحد وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وعشرون إصبعًا‏.‏

بن عبد الملك بن مروان على مصر وهي سنة تسع وثمانين‏.‏

فيها افتتح موسى بن نصير جزيرتي ميرقه ومنرقة وهما جزيرتان في البحر بين جزيرة صقلية وجزيرة الأندلس وتسمى هذه الغزوة غزوة الأشراف لكثرة الأشراف التي كانوا بها أعني أشراف العرب‏.‏

وفيها غزا قتيبة وردان خذاه ملك بخارا فلم يطقهم ورجع‏.‏

وفيها غزا مسلمة بن عبد الملك عمورية فلقي جمعًا من الروم فهزمهم الله‏.‏

وفيها ولي خالد بن عبد الله القسري مكة وهي أول ولايته‏.‏

وفيها غزا مسلمة أيضًا والعباس بن الوليد بن عبد الملك الروم فافتتح مسلمة حصن سورية وافتتح العباس مدينة أذرولية‏.‏

وفيها حج بالناس عمر بن عبد العزيز‏.‏

وفيها توفي ظليم مولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح بإفريقية‏.‏

وفيها عزل عمران بن عبد الرحمن عن قضاء مصر بعبد الواحد بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج وله خمس وعشرون سنة‏.‏

وفيها توفي عمران بن حطان السدوسي الخارجي‏.‏

كان شاعر الخوارج وروى عن أبي موسى وعائشة رضي الله عنهما وكان عمران فصيحًا قبيح الشكل وكانت زوجته جميلة فدخل عليها يومًا وهي بزينتها فأعجبته وعلمت منه ذلك فقالت‏:‏ أبشر فإني وإياك في الجنة قال‏:‏ ومن أين علمت قالت‏:‏ لأنك أعطيت مثلي فشكرت وأنا ابتليت بمثلك فصبرت والصابر والشاكر في الجنة‏.‏

ومن شعره في عبد الرحمن بن ملجم وقومه‏:‏ البسيط يا ضربةً من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لأذكره يومًا فأحسبه أوفى البرية عند الله ميزانا أكرم بقومٍ بطون الطيرأقبرهم لم يخلطوا دينهم بغيًا وعدوانا قلت‏:‏ وهذا مذهب الخوارج فإنهم يكفرون بالمعصية‏.‏

وفيها توفي يحيى بن يعمر أبو سليمان الليثي البصري‏.‏

وكان عالمًا بالقراءات والعربية‏.‏

وهو أول من نقط المصاحف‏.‏

وكان ولاه الحجاج من بره قضاء مرو وكان يقضي بالشاهد واليمين‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع واثنا عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا واثنان وعشرون إصبعًا‏.‏

على مصر هو قرة بن شريك بن مرثد بن حازم بن الحارث بن حبش بن سفيان بن عبد الله بن ناشب بن هدم بن عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان العبسي أمير مصر‏.‏

ولي مصر بعد عزل عبد الله بن عبد الملك بن مروان من قبل الوليد بن عبد الملك بن مروان على صلاة مصر وخراجها ودخلها يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الأول سنة تسعين‏.‏

قال العلامة شمس الدين يوسف بن قز أوغلي في تاريخه مرآة الزمان‏:‏ كان قرة من أمراء بني أمية وولاه الوليد مصر‏.‏

وكان سيىء التدبير خبيثًا ظالمًا غشومًا فاسقًا منهمكًا وهو من أهل قنسرين قدم مصر سنة تسع وثمانين أوسنة تسعين وكان الوليد عزل أخاه عبد الله بن عبد الملك بن مروان وولى قرة وأمره ببناء جامع مصر والزيادة فيه سنة اثنتين وتسعين فأقام في بنائه سنتين‏.‏

قلت‏:‏ وقد قدمنا في ترجمة عمرو بن العاص عند ذكر بنائه جامعه نبذة من ذلك‏.‏

قال‏:‏ وكان الناس يصلون الجمعة في قيسارية العسل حتى فرغ قرة من بنائه‏.‏

وكان الصناع إذا انصرفوا من البناء دعا بالخمور والزمور والطبول فيشرب الخمر في المسجد طول الليل ويقول‏:‏ لنا الليل ولهم النهار وكان أشر خلق الله وتحالفت الأزارقة على قتله فعلم فقتلهم وكان عمر بن عبد العزيز يعتب على الوليد لتوليته مصر‏.‏

ومات قرة في سنة خمس وتسعين بمصر‏.‏

وورد على الوليد البريد في يوم واحد بموت الحجاج بن يوسف وموت قرة فصعد المنبر وهو حاسر شعثان الرأس فنعاهما إلى الناس وقال‏:‏ والله لأشفعن لهما شفاعة تنفعهما فقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وهو ابن عم الوليد المذكور‏:‏ انظروا إلى هذا الخبيث لا أناله الله شفاعة محمد ‏"‏ ص ‏"‏ وألحقه بهما‏.‏

فاستجاب الله دعاءه وأهلك الوليد بعدهما بثمانية أشهر أو أقل‏.‏

انتهى كلام صاحب مرآة الزمان بعد ما ساق وفاته في سنة خمس وتسعين والأصح ما سنذكره في وفاته من قول الذهبي وغيره من المؤرخين‏.‏

وأما قوله‏:‏ إن الوليد مات بعد وفاة قرة بثمانية أشهر فليس كذلك لأن وفاة قرة في ليلة الخميس لست بقين من شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين ووفاة الوليد في نصف جمادى الآخرة قاله خليفة بن خياط‏.‏

وقيل‏:‏ إن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ذكر عنه ظلم الحجاج وغيره من ولاة الأمصار أيام الوليد بن عبد الملك فقال‏:‏ الحجاج بالعراق‏!‏ والوليد بالشأم‏!‏ وقرة بن شريك بمصر‏!‏ وعثمان أبن حيان بالمدينة‏!‏ وخالد بمكة اللهم قد امتلأت الدنيا ظلمًا وجورًا فأرح الناس‏!‏‏.‏

فلم يمض غير قليل حتى توفي الحجاج وقرة بن شريك في شهر واحد ثم تبعهم الوليد وعزل عثمان وخالد فاستجاب الله لعمر‏.‏

قال ابن الأثير‏:‏ وما أشبه هذه القصة بقصة ابن عمر مع زياد ابن أبيه حيث كتب إلى معاوية يقول‏:‏ قد ضبطت العراق بشمالي ويميني فارغة - يعرض بذلك أن شماله للعراق وتكون يمينه بإمارة الحجاز - فقال ابن عمر لما بلغه ذلك‏:‏ اللهم أرحنا من يمين زياد وأرح أهل العراق من شماله فكان أول خبر جاءه موت زياد‏.‏

ولما كان قرة على مصر أمره الوليد بهدم ما بناه عمه عبد العزيز بن مروان لما كان أمير مصر ففعل قرة ذلك ثم أخذ بركة الحبش وأحياها وغرس بها القصب فقيل لها إسطبل قرة‏.‏

وقال الحافظ أبو سعيد بن يونس بعدما ذكر نسبه بنحو مما ذكرناه‏:‏ كان أمير مصر للوليد بن عبد الملك وكان خليعًا‏.‏

روى عن سعيد بن المسيب حديثًا واحدًا رواه عنه حكيم بن عبد الله بن قيس‏.‏

وتوفي قرة بمصر وهو وال عليها في شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين وكان الوليد بن عبد الملك ولى قرة مصر وعزل عنها أخاه عبد الله بن عبد الملك فقال رجل من أهل مصر شعرًا وكتب به إلى الوليد بن عبد الملك‏:‏ مخلع البسيط عجبًا ما عجبت حين أتانا أن قد أمرت قرة بن شريك ثم قال ابن يونس‏:‏ حدثني أبو أحمد بن يونس بن عبد الأعلى وكهمس بن معمر وعيسى بن أحمد الصدفي وغيرهم قالوا‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن عبد الله بن قيس عن قرة بن شريك أنه سأل ابن المسيب عن الرجل ينكح عبده وليدته ثم يريد أن يفرق بينهما قال‏:‏ ليس له أن يفرق بينهما‏.‏

قال ابن يونس‏:‏ ليس لقرة بن شريك غير هذا الحديث الواحد‏.‏

انتهى كلام ابن يونس‏.‏

قلت‏:‏ وكانت ولاية قرة على مصر ست سنين إلا أيامًا‏.‏

وتولى إمرة مصر بعده عبد الملك بن رفاعة الآتي ذكره وكان من عظماء أمراء الوليد بن عبد الملك وكان الوليد عند أهل الشأم من أفضل خلفائهم بنى المساجد‏:‏ مسجد دمشق ومسجد المدينة ووضع المنابر وأعطى المجذمين أموالًا ومنعهم من سؤال الناس وأعطى كل مقعد خادمًا وكل ضرير قائدًا وفتح في ولايته فتوحات عظامًا‏:‏ منها الأندلس وكاشغر والهند وكان يمر بالبقال فيقف عليه‏:‏ ويأخذ منه حزمة بقل فيقول‏:‏ بكم هذه‏.‏

فيقول‏:‏ بفلس فيقول‏:‏ زد فيها‏.‏

وكان صاحب بناء واتخاذ للمصانع والضياع فكان الناس يلتقون في زمانه فيسأل بعضهم بعضًا عن البناء‏.‏

وكان سليمان بن عبد الملك صاحب طعام ونكاح فكان الناس يسأل بعضهم بعضًا عن النكاح والطعام‏.‏

وكان عمر بن عبد العزيز صاحب عبادة فكان الناس يسأل بعضهم بعضًا قلت‏:‏ ولم أذكر هذا كله إلا لما قدمناه من الحط على الوليد من أقوال المؤرخين فأردت أن أذكر من محاسنه أيضًا ما نقله غيرهم‏.‏

السنة الأولى من ولاية قرة بن شريك على مصر وهي سنة تسعين‏.‏

فيها غزا قتيبة بن مسلم وردان خذاه الغزوة الثانية فاستصرخ وردان خذاه على قتيبة بالترك فالتقاهم قتيبة وهزمهم الله تعالى وفض جمعهم‏.‏

ثم غزا قتيبة أيضًا في السنة أهل الطالقان بخراسان فقتل منهم مقتلة عظيمة‏.‏

وفيها غزا العباس ابن الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان فبلغ إلى أرزن ثم رجع‏.‏

وفيها توفي خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان أبو هاشم الأموي الدمشقي أخو معاوية الرجل الصالح وعبد الله‏.‏

قيل‏:‏ إن خالدًا هذا بويع بالخلافة بعد أخيه معاوية بن يزيد بن معاوية فلم يتم أمره ووثب مروان بن الحكم على الأمر وخلع خالدًا هذا وتزوج بأمه وقد مر ذكر قتلها له في ترجمة مروان‏.‏

وكان خالد المذكور موصوفًا بالعلم والعقل والشجاعة وكان مولعًا بالكيمياء‏.‏

وقيل‏:‏ إنه هو الذي وضع حديث السفياني إنه يأتي في آخر الزمان‏.‏

‏.‏

‏.‏

لما سمع وفيها توفي عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف‏.‏

وهو من الطبقة الثانية من تابعي أهل المدينة وكان فقيهًا شاعرًا‏.‏

وفيها توفي أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني‏.‏

وفيها فتحت بخارا على يد قتيبة‏.‏

ثم صالح قتيبة أهل الصغد ورجع بهم ملكهم طرخون إلى بلاده‏.‏

وفيها غزا مسلمة بن عبد الملك أرض الروم وافتتح الحصون الخمسة التي بسورية‏.‏

وفيها أسرت الروم خالد بن كيسان صاحب البحر فأهداه ملكهم إلى الوليد‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان وتسعة عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا واثنان وعشرون إصبعًا‏.‏

السنة الثانية من ولاية قرة بن شريك على مصر وهي سنة إحدى وتسعين‏.‏

فيها سار قتيبة بن مسلم إلى أن وصل إلى الفارياب فخرج إليه ملكها سامعًا مطيعًا فاستعمل عليها قتيبة عامر بن مالك ورجع‏.‏

وفيها عزل الوليد عمه محمد بن مروان عن الجزيرة وأذربيجان وولاها أخاه مسلمة بن عبد الملك بن مروان فقدم مسلمة وانتدب إلى الغزو فغزا إلى أن وصل في هذه السنة إلى الباب من بحر أذربيجان فافتتح مدائن وحصونًا كثيرة‏.‏

وفيها افتتح قتيبة بن مسلم أمير خراسان شومان وكش ونسف وامتنع عليه أهل فارياب فأحرقها‏.‏

وجهز أخاه عبد الرحمن بن مسلم إلى طرخون ملك تلك البلاد فجرت له معه حروب ومواقف‏.‏

ثم صالحه عبد الرحمن وأعطاه طرخون أموالًا وتقهقر إلى أخيه قتيبة إلى بخارا فانصرفوا حتى قدموا مرو فقالت الصغد لطرخون ملكهم‏:‏ إنك رضيت بالذل والجزية وأنت شيخ كبير لا حاجة لنا فيك وعزلوه عنهم‏.‏

وفيها غزا موسى بن نصير طليطلة مدينة بالأندلس من بلاد الغرب بعدما أستولي على الجزيرة وأفتتح حصونها‏.‏

ودخل طليطلة عنوةً فوجد في دار المملكة مائدة سليمان بن داود عليهما السلام وهي من خليطين ذهب وفضة وعليها ثلاثة أطواق من لؤلؤ وجوهر‏.‏

وقال الهيثم‏:‏ افتتحها طارق في سنة اثنتين وتسعين‏.‏

وقيل غير ذلك‏.‏

وفيها أيضًا قتل قتيبة طرخان ملك الترك وبعث برأسه إلى الحجاج بن يوسف الثقفي‏.‏

وفيها قدم محمد بن يوسف الثقفي أخو الحجاج من اليمن بهدايا عظيمة فأرسلت أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان زوجة الوليد وبنت عمه تطلبها منه فقال محمد أخو الحجاج‏:‏ حتى يراها أمير المؤمنين فغضبت‏.‏

ثم رآها الوليد وبعث بها إلى أم البنين فلم تقبلها وقالت‏:‏ قد غصبها من أموال الناس فسأله الوليد فقال‏:‏ معاذ الله‏!‏ فأحلفه الوليد بين الركن والمقام خمسين يمينًا أنه ما ظلم أحدًا ولا غصبه حتى قبلتها أم البنين‏.‏

وكان محمد هذا عامل صنعاء وكان يسب علي بن أبي طالب رضي الله عنه على المنابر ولهذا كان يقول عمر بن عبد العزيز‏:‏ الحجاج بالعراق‏!‏ وأخوه محمد باليمن‏!‏ وعثمان بن حيان بالحجاز‏!‏ والوليد بالشأم‏!‏ وقرة بن شريك بمصر‏!‏ امتلأت بلاد الله جورًا‏!‏‏.‏

وفيها حج بالناس الوليد بن عبد الملك فلما دخل إلى المدينة غدا إلى المسجد ينظر إلى بنائه وأخرج الناس منه ولم يبق غير سعيد بن المسيب فلم يجسر أحد من الحرس أن يخرجه فقيل له‏:‏ لو قمت‏!‏ فقال‏:‏ لا أقوم حتى يأتي الوقت الذي أقوم فيه قيل‏:‏ فلو سلمت على أمير المؤمنين‏!‏ قال‏:‏ والله لا أقوم إليه قال عمر بن عبد العزيز‏:‏ فجعلت أعدل بالوليد في ناحية المسجد لئلا يراه فالتفت الوليد إلى القبلة فقال‏:‏ من ذلك الشيخ أهو سعيد قال عمر‏:‏ نعم ومن حاله كذا وكذا ولو علم بمكانك لقام فسلم عليك وهو ضعيف البصر فقال الوليد‏:‏ قد علمنا حاله ونحن نأتيه فدار في المسجد ثم أتاه فقال‏:‏ كيف أنت أيها الشيخ - فو الله ما تحرك سعيد - فقال‏:‏ بخير والحمد لله فكيف أمير المؤمنين وكيف حاله فانصرف الوليد وهو يقول‏:‏ هذا بقية الناس‏.‏

وصلى الوليد الجمعة بالمدينة فخطب الناس الخطبة الأولى جالسًا ثم قام فخطب الثانية قائمًا‏.‏

قال إسحاق بن يحيى‏:‏ فقلت لرجاء بن حيوة وهو معه‏:‏ أهكذا يصنعون قال‏:‏ هكذا صنع معاوية وهلم جرا قال فقلت‏:‏ ألا تكلمه‏!‏ قال‏:‏ أخبرني قبيصة بن ذؤيب أنه كلم عبد الملك فلم يترك القعود وقال‏:‏ هكذا خطب عثمان قال فقلت‏:‏ والله ما خطب إلا قائمًا قال رجاء‏:‏ روي لهم شيء فأخذا به‏.‏

وفيها توفي أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار أبو حمزة الأنصاري النجاري الخزرجي خادم رسول الله ‏"‏ ص ‏"‏ وآخرهم موتًا وهو من المكثرين مات في هذه السنة قاله الإمام أحمد وكذا قال الهيثم بن عدي وسعيد بن عفير وأبو عبيد‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ سنة اثنتين وتسعين وتابعه معن بن عيسى عن ابنٍ لأنس بن مالك‏.‏

وقال سعيد بن عامر وإسماعيل بن علية وأبو نعيم والمدائني والفلاس وخليفة وقعنب وغيرهم‏:‏ سنة ثلاث وتسعين‏.‏

وقال محمد بن عبد الله الأنصاري‏:‏ اختلف علينا مشيختنا في سن أنس‏:‏ فقال بعضهم‏:‏ بلغ مائة وثلاث سنين وقال بعضهم‏:‏ بلغ مائة وسبع سنين وقال يحيى قلت‏:‏ وهذا بدعاء النبي ‏"‏ ص ‏"‏ فإنه دعا له‏:‏ ‏"‏ اللهم ارزقه مالًا وولدًا وبارك له فيه ‏"‏‏.‏

قال أنس‏:‏ فإني لمن أكثر الأنصار مالًا وحدثتني ابنتي آسية أنه دفن من صلبي إلى مقدم الحجاج البصرة تسعة وعشرون ومائة‏.‏

وفيها توفي محمد بن يوسف الثقفي أخو الحجاج عامل صنعاء باليمن وقد تقدم ذكر هديته إلى الوليد‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاثة أذرع واثنا عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وسبعة عشر إصبعًا‏.‏

السنة الثالثة من ولاية قرة بن شريك على مصر وهي سنة اثنتين وتسعين‏.‏

فيها حج بالناس الرجل الصالح عمر بن عبد العزيز‏.‏

وفيها غزا عمر بن الوليد ومسلمة بن عبد الملك بلاد الروم وفتح مسلمة حصونًا كثيرة يقال‏:‏ إنه بلغ إلى الخليج وفتح سوسنة‏.‏

وفيها توفي إبراهيم بن يزيد بن شريك من تيم الرباب أبو أسماء من الطبقة الثانية من تابعي وفيها توفي بلال بن أبي الدرداء أبو محمد الأنصاري من الطبقة الأولى من تابعي أهل الشأم كان قاضيًا على دمشق في زمان يزيد بن معاوية وبعده إلى أن عزله عبد الملك بن مروان بأبي إدريس الخولاني‏.‏

وفيها توفي عبد الرحمن بن يزيد بن جارية بن عامر بن مجمع أبو محمد الأنصاري من الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة وأمه جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح وأخوه لأمه عاصم بن عمر بن الخطاب وولد على عهد رسول الله ‏"‏ ص ‏"‏‏.‏

وفيها توفي طويس المغني صاحب الألحان وهو أول من غنى بالألحان في الإسلام وهو تصغير طاوس‏.‏

وفيها فتحت جزيرة الأندلس على يد طارق بن زياد مولى موسى بن نصير‏.‏

وفيها فتحت جزيرة سردانية على يد جيش موسى بن نصير‏.‏

وهذه الجزيرة في بحر الروم وهي من أكبر الجزائر ماعدا جزيرة صقلية وأقر يطش وهي كثيرة الفواكه‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع واثنا عشر إصبعًا مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وعشرة أصابع‏.‏

بن شريك على مصر وهي سنة ثلاث وتسعين‏.‏

فيها افتتح قتيبة خوارزم وسمرقند وكان ساكنها الصغد وبنى بها مسجدًا وخطب بنفسه فيه وأخذ من أهلها عن رقبتهم ستة آلاف ألفٍ وثلاثين ألفًا ووجد في سمرقند جارية من ولد يزدجرد فبعث بها إلى الحجاج فأرسلها الحجاج إلى الوليد بن عبد الملك فأولدها يزيد بن الوليد‏.‏

وفيها غزا مسلمة بن عبد الملك بلاد الروم وفتح حصن الحديد وقلعة غزالة‏.‏

وفيها غزا العباس بن الوليد ففتح سميساط وطرسوس والمرزبان‏.‏

وفيها عزل الوليد عمر بن عبد العزيز عن المدينة بسبب أن عمر كتب إلى الوليد يخبره بظلم الحجاج وسفكه الدماء وما يفعل بأهل العراق وخوفه عواقبه‏.‏

وفيها توفي وضاح اليمن واسمه عبد الله بن إسماعيل بن عبد كلال‏.‏

كان من أهل صنعاء من الأنبار وقيل‏:‏ اسمه عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد كلال ووضاح اليمن لقب له لجمال وجهه وهو صاحب القصة مع أم البنين زوجة الوليد بن عبد الملك بن مران التي ذكرها ابن خلكان في تاريخه‏.‏

وفيها فتحت طليطلة‏.‏

قال أبو جعفر‏:‏ وفي هذه السنة غضب موسى بن نصير على مولاه طارق فسار إليه في رجب منها واستخلف على إفريقية ابنه عبد لله بن موسى - وعبر موسى إلى طارق في عشرة آلاف فتلقاه طارق وترضاه فرضي عنه وقبل عذره وسيره إلى طليطلة وهي من عظام مدائن الأندلس وهي من قرطبة على خمسة أيام ففتحها وأصاب فيها مائدة سليمان بن داود عليهما السلام وفيها من الذهب والجوهر ما الله أعلم به‏.‏

وفيها غزا العباس بن الوليد الروم ففتح سميساط والمرزبان‏.‏

وفيها حج بالناس عبد العزيز بن الوليد‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ستة أذرع وإصبعان‏.‏

مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وعشرون إصبعًا‏.‏

السنة الخامسة من ولاية قرة بن شريك على مصر وهي سنة أربع وتسعين‏.‏

فيها غزا قتيبة بن مسلم بلد كابل فحصرها حتى فتحها ثم افتتح أيضًا فرغانة بعد أن حصرها وأخذها عنوة وبعث جيشًا فافتتحوا الشاش‏.‏

وفيها قتل محمد بن القاسم الثقفي صصة بن ذاهر‏.‏

قيل‏:‏ إن صصة هذا هو الذي اقترح الشطرنج‏.‏

وفيها افتتح مسلمة بن عبد الملك سندرة من أرض الروم‏.‏

وفيها افتتح القاسم بن محمد الثقفي أرض الهند‏.‏

وفيها حج بالناس مسلمة بن عبد الملك‏.‏

وفي أيام الوليد بن عبد الملك فتح الله على الإسلام فتوحًا عظيمة وعاد الجهاد شبيهًا بأيام عمر رضي الله عنه‏.‏

وفيها كانت بالشأم زلازل عظيمة دامت في غالب البلاد أربعين يومًا‏.‏

وكان أولها من عشرين من آذار فهدمت الأبنية ووقع معظم أنطاكية‏.‏

وفيها هرب يزيد بن المهلب وإخوته من حبس الحجاج إلى الشأم‏.‏

وفيها غزا ما وراء النهر و فتح فرغانة وخجندة وفيها توفي الحسن بن محمد بن الحنفية‏.‏

وأمه جمال بنت قيس بن مخرمة وكنيته أبو محمد وهو من الطبقة الثالثة من تابعي أهل المدينة وكان من ظرفاء بني هاشم وكان يقدم على أخيه أبي هاشم عبد الله بن محمد في الفضل والهيبة‏.‏

وفيها قتل الحجاج سعيد بن جبير مولى بني والبة وهو من الطبقة الثانية من تابعي أهل الكوفة‏.‏

كان من كبار العلماء الزهاد وكان ابن عباس يعظمه وكان خرج مع محمد بن الأشعث على الحجاج ثم انحاز بعد قتل ابن الأشعث إلى أصبهان وكان عامل أصبهان دينًا فأمر سعيدا بالخروج من بلده بما ألح عليه الحجاج في طلبه فخرج إلى أذربيجان مدة ثم توجه إلى مكة مستجيرًا بالله وملتجئًا إلى حرم الله فبعث به خالد القسري إلى الحجاج‏.‏

وكان الحجاج كتب إلى الوليد أن جماعة من التابعين قد التجؤوا إلى مكة فكتب الوليد إلى عامل مكة خالد القسري‏:‏ احملهم إلى الحجاج وكانوا خمسة‏:‏ سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد وعمرو بن دينار وطلق بن حبيب‏.‏

فأما عمرو وعطاء فأطلقا وأما طلق فمات في الطريق وأما مجاهد فحبس حتى مات الحجاج لا عفا الله عنه وأما سعيد بن جبير فقتل‏.‏

وقصة قتلته طويلة وهي أشهر من أن تذكر‏.‏

وفيها توفي سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم وأمه أم سعيد بنت عثمان بن حكيم السلمي وكنيته أبو محمد - أعني ابن المسيب - وهو من الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة‏.‏

وكان يقال له - فقيه الفقهاء وعالم العلماء وهو أحد الفقهاء السبعة‏.‏

وقد نظمهم بعض الشعراء‏:‏ الطويل ألا كل من لا يقتدي بأئمةٍ فقسمته ضيزى عن الحق خارجه فخذهم‏:‏ عبيد الله عروة قاسم سعيد سليمان أبو بكر خارجة وفيها توفي عروة بن الزبير بن العوام أبو عبد الله الأسدي هو أيضًا أحد الفقهاء السبعة وهو المشار إليه في ثاني اسم من البيت الثاني وهو من الطبقة الثانية من تابعي أهل المدينة وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق وهو شقيق عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم وبينه وبين عبد الله المذكور عشرون سنة‏.‏

وكان ابتلي بالأكلة في رجله فقطعت وهو صائم فصبر على ذلك وحمد الله عليه رضي الله عنه وفي سنة وفاته اختلاف كثير‏.‏

وفيها توفي عطاء بن يسار مولى ميمونة زوج النبي ‏"‏ ص ‏"‏ وكنيته أبو محمد وقيل أبو يسار وهو من الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة‏.‏

قال ابن بكير‏:‏ كان بالمدينة ثلاثة إخوة لا ندري أيهم أفضل‏:‏ عطاء وسليمان وعبد الله بنو يسار وثلاثة إخوة‏:‏ محمد وأبو بكر وعمر بنو المنذر وثلاثة إخوة‏:‏ بكير ويعقوب وعمر بنو عبد الله الأشج‏.‏

وفيها توفي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب بزين العابدين وكنيته أبو محمد وهو من الطبقة الثانية من تابعي أهل المدينة ة وأمه أم ولد يقال لها غزالة وقيل سلامة وقيل سلافة وقيل شاه زنان وكانت سندية‏.‏

وكان علي هذا بارًا بها رضي الله عنه وعن أسلافه‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان وخمسة عشر إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعًا وإصبع واحد‏.‏

بن شريك على مصر وهي سنة خمس وتسعين‏.‏

فيها وفد موسى بن نصير من بلاد المغرب على الوليد بالشأم ومعه الأموال وثلاثون ألف رأس من الرقيق‏.‏

وفيها افتتح مسلمة بن عبد الملك مدينة الباب من إرمينية وخربها ثم بناها بعد ذلك مسلمة المذكور‏.‏

وفيها ولد أبو جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس‏.‏

وفيها غزا العباس بن الوليد أرض الروم ففتح هرقلة وغيرها‏.‏

وفيها حج بالناس بشر بن الوليد بن عبد الملك‏.‏

وفيها توفي جعفر بن عمرو بن أمية الضمري وهو أخو عبد الملك بن مران من الرضاعة‏.‏

وفيها توفي الخبيث الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أ بي عقيل بن مسعود بن عامر أبو محمد الثقفي‏.‏

قال الشعبي‏:‏ كان بين الحجاج وبين الجلندا الذي ذكره الله في كتابه العزيز في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينةٍ غصبًا ‏"‏ سبعون جدًا‏.‏

وقيل‏:‏ إنه كان من ولد عبد من عبيد الطائف لبني ثقيف ولد أبي رغال دليل أبرهة إلى الكعبة‏.‏

قلت‏:‏ هو مشؤوم هو وأجداده وعليهم اللعنة والخزي فإنه كان مع ظلمه وإسرافه في القتل مشؤوم الطلعة وكان في أيامه طاعون الأشراف مات فيه خلائق لا تحصر حتى قيل‏:‏ لا يكون الطاعون والحجاج‏!‏ وكان معظم الطاعون بواسط‏.‏

وقيل‏:‏ كان اسم الحجاج أولًا كليب ومولده سنة تسع وثلاثين وقيل سنة أربعين وقيل سنة إحدى وأربعين بمصر بدرب السراجين ثم خرج به أبوه يوسف مع مران بن الحكم إلى الشأم‏.‏

ولم أدر ما أذكر من مساوىء هذا الخبيث في هذا المختصر فإن مساوئه لا تحصر غير أنني أكتفي فيه بما شاع عنه في الآفاق من قبيح الفعال وسوء الخصال‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ستة أذرع وسبعة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا واثنا عشر إصبعًا‏.‏